الابدال والاقطاب في بلاد الشام
الولاية عند أهل السنة هي التي عرَّفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ، حيث قال تعالى : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ، لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس/62-64
فأعلنت الآية أن ولي الله هو المؤمن التقي ، الذي يحب الله وينصره ، ويسير في مرضاته ، ويحفظ حدوده ، ويقيم شريعته ودينه ، وهو عبد من عباد الله ، لا يخرج عن قهره وسلطانه ، بل لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا يعلم ما قدر الله له ، فهذا هو ولي الله عند أهل السنة .
وطريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض ، ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله تعالى ، فإذا أحبه كان وليا حقا له جل وعلا ، وقد جاء في الحديث الصحيح :
( إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ . قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ . ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ ، قَالَ : ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القبُولُ فِي الأَرضِ ) رواه مسلم (2637)
"إنما سُمي الأبدال أبدالا لأنهم لا يريدون مع إرادة الله عز وجل إرادة، ولا يختارون مع اختياره اختيارا. يحكمون الحكم الظاهر، ويعملون الأعمال الظاهرة، ثم يتفردون إلى أعمال تخصهم. كلما ترقت درجاتهم يزدادون أمرا ونهيا(...) لا يخرِّبون حدود الشرع، لأن ترك العبادات زندقة".
والعياذ بالله من الزندقة..
وهم مع ذلك كله قطرة من مقاماته صلى الله عليه وآله وسلم و ذرة من جبال كراماته.. اللهم صل على سيدنا محمد النبي و أزواجه أمهات المومنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم في إنك حميد مجيد.
قال سيدي عبد القادر الجيلاني رحمه الله ما يلي:
"إذا تَرَقَّتْ درجة العبد من الإسلام إلى الإيمان، من الإيمان إلى الإيقان، من الإيقان إلى المعرفة، من المعرفة إلى العلم، من العلم إلى المحبة، من المحبة إلى المحبوبية، من طلبيته إلى مطلوبيته، فحينئذ إذا غفل لم يُتْرَكْ، وإذا نسي ذُكِّر، وإذا نام نُبِّهَ، وإذا غفل أوقظ، وإذا ولّى أقبَل، وإذا سَكَتَ نَطَق. فلا يزال أبدا مستيقظا صافيا، لأنه قد صفت آنية قلبه. يُرى من ظاهرها باطنُها. ورث اليقظة من نبيه صلى الله عليه وسلم، كانت تنام عينه ولا ينام قلبه، وكان يرى من ورائه كما يرى من أمامه. كل أحد يقظته على قدر حاله. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يصل أحد إلى يقظته، ولا يقدر أن يشاركه أحد في خصائصه. غير أن الأبدال والأولياء من أمّته يردون على بقايا طعامه وشرابه، يُعطون قطرة من بحار مقاماته، وذَرَّة من جبال كراماته، لأنهم وراءَه، المتمسكون بدينه، الناصرون له، الدالّون عليه، الناشرون لعَلَم دينه وشرعه. عليهم سلام الله وتحياتُه، وعلى الوارثين له إلى يوم القيامة".
هؤلاء أخي الكريم هم الحاملون لكلمة التوحيد، القيمون القائمون على كنوزها هم المجددون..
لا إله إلا الله لا إله إلا الله لا إله إلا الله.
قال الشيخ عبد القادر رحمه الله وهو يصف العارفين الكمل:
"يرى الخلق كأنهم قبور تمشي. وإذا اجتاز على القبور أحسَّ بما فيها من النعيم والعذاب. يرى القيامة وما فيها من القيام والمواقف. يرى رحمة الله عز وجل وعذابه. يرى الملائكة قياما والأنبياء والمرسلين والأبدال والأولياء على مراتبهم. يرى أهل الجنة يتزاورون، وأهل النار في النار يتعاوَوْن.
"من صح يقينه نظر بعين رأسه الخلق، وبعين قلبه فعل الله عز وجل فيهم، يرى تحريكه وتسكينه لهم، فهذا نظر العزة. من أولياء الله عز وجل من إذا نظر إلى شخص رأى ظاهره بعين رأسه، وباطنه بعين قلبه. وينظر مولاه عز وجل بعين سره".
أين نحن من هؤلاء يا أخي الكريم ..؟؟؟
أخي الكريم أو هل نرى مثل ما يرون ؟؟؟
قال إمامنا الشيخ عبد القادر قدس الله روحه : "يا غلام هذا الزهد ليس هو صنعة تتعلمها. ليس هو شيئا تأخذه بيدك وترميه. بل هو خَطَوات أولها النظر في وجه الدنيا، فتراها كما هي على صورتها عند من تقدم من الأنبياء والرسل وعند الأولياء والأبدال الذين لم يَخْلُ منهم زمان. إنما تصح رؤيتك لها باتباع من تقدم في الأقوال والأفعال. إذا تبعتهم رأيت ما رأوا. وإذا كنت على أثر القوم قولا وفعلا، خلوة وجَلوَة، علما وعملا، صورة ومعنى، تصوم كصيامهم، وتصلي كصلاتهم، وتأخذ كأخذهم، وتترك كتركهم، فحينئذ يعطيك الله نوراً ترى به نفسك وغيرك، يبيِّن لك عيوبك وعيوب الخلق، فتزهد في نَفْسِك وفي الخلق أجمع. فإذا صح لك ذلك جاءت أنوار القرب إلى قلبك، صِرْتَ مومنا موقنا عارفا عالما. فترى الأشياء على صوَرها ومعانيها. ترى الدنيا كما رآها من تقدم من الزاهدين المعرضين. تراها في صورة عجوز شوهاءَ قبيحة المنظر. فهي عند هؤلاء القوم على هذه الصفة، وعند الملوك كالعروس المَجْلِيَّة في أحسن صورة. هي عند القوم حقيرة ذليلة، يُحرقون شعرها ويَخرقون ثيابها، ويخمِشون وجهها ويأخذون أقسامهم في صحبة الآخرة. يا غلام! إذا صح لك الزهد في الدنيا فازهد في اختيارك وفي الخلقِ".
هل صح لنا الزهد في الدنيا وفي اختيارنا وفي الخلق..؟؟؟
أم فررنا من البلاء والآفات والعقبات فلا حاجة لنا في معرفة أو ولاية ..؟؟؟
■ الإمام النووي (توفي سنة 676 هـ):
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في رسالته "مقاصد الإمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف": (أصول طريق التصوف خمسة:
1. تقوى الله في السر والعلانية
2. اتباع السنة في الأقوال والأفعال
3. الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار
4. الرضى عن الله في القليل والكثير
5. الرجوع إلى الله في السراء والضراء)
■ الإمام أبو حامد الغزالي (توفي سنة 505 هـ):
وها هو ذا حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى يتحدث في كتابه "المنقذ من الضلال" عن الصوفية وعن سلوكهم وطريقتهم الحق الموصلة إلى الله تعالى فيقول:
(ولقد علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق...ثم يقول ردا على من أنكر على الصوفية وتهجم عليهم: وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها- وهي أول شروطها- تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله).
ويقول أيضاً بعد أن اختبر طريق التصوف ولمس نتائجه وذاق ثمراته: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إلا يخلوأحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام).
■ الإمام فخر الدين الرازي (توفي سنة 606 هـ):
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الامام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين": "الباب الثامن في أحوال الصوفية: اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هوالتصفية والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن.. وقال أيضا: والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألا يخلوسرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين
■ أبو الفضل عبد الله الصّدّيق الغماري :
إن التصوف كبير قدره، جليل خطره، عظيم وقعه، عميق نفعه، أنواره لامعة، وأثماره يانعة، واديه قريع خصيب، وناديه يندولقاصديه من كل خير بنصيب، يزكي النفس من الدنس، ويطهر الأنفاس من الأرجاس، ويرقي الأرواح إلى مراقي الفلاح، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن. وهو إلى جانب هذا ركن من أركان الدين، وجزء متمم لمقامات اليقين.
خلاصته: تسليم الأمور كلها لله، والالتجاء في كل الشؤون إليه. مع الرضا بالمقدور، من غير إهمال في واجب ولا مقاربة المحظور. كثرة أقوال العلماء في تعريفه، واختلفت أنظارهم في تحديده وتوصيفه، وذلك دليل على شرف اسمه ومسماه، ينبئ عن سموغايته ومرماه.. وإنما عبر كل قائل بحسب مدركه ومشربه. وعلى نحواختلافهم في التصوف اختلفوا في معنى الصوفي واشتقاقه.
ثم: إن التصوف مبني على الكتاب والسنة، لا يخرج عنهما قيد أنملة.
والحاصل: أنهم أهل الله وخاصته، الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم.
ومن أوصاف هذه الطائفة: الرأفة، والرحمة، والعفو، والصفح، وعدم المؤاخذة.
أما تاريخ التصوف فيظهر في فتوى للإمام الحافظ السيد محمد صديق الغماري رحمه الله، فقد سئل عن أول من أسس التصوف؟ وهل هوبوحيٍ سماوي؟ فأجاب: (أما أول من أسس الطريقة فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هوأحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما بينها واحدا واحدا ديناً بقوله: هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم، وهوالإسلام والإيمان والإحسان.فالإسلام طاعة وعبادة، والإيمان نور وعقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة، وأول من تسمى بالصوفي في أهل السنة أبوهاشم الصوفي المتوفي سنة 150 وكان من النساك، ويجيد الكلام، وينطق الشعر كما وصفه الحفاظ).
■ الإمام العز بن عبد السلام (توفي سنة 660 هـ):
قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: (قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى، وقعد غيرهم على الرسوم، مما يدلك على ذلك ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فانه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، ولوكان العلم من غير عمل يرضي الحق تعالى كل الرضى لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولولم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات" المصدر:"نور التحقيق" للشيخ حامد صقر).
■ العلامة الشيخ محمد أمين الكردي:
ينبغي لكل شارع في فن أن يتصوره قبل الشروع فيه ؛ ليكون على بصيرة فيه، ولا يحصل التصور إلا بمعرفة المبادئ العشرة المذكورة..
فحدّ التصوف: هو علم يُعرف به أحوال النفس محمود ها ومذموم ها، وكيفية تطهيرها من المذموم منها، وتحليتها بالاتصاف بمحمودها، وكيفية السلوك والسير إلى الله تعالى، والفرار إليه..
وموضوعه: أفعال القلب والحواس من حيث التزكية والتصفية.
وثمرته: تهذيب القلوب، ومعرفة علام الغيوب ذوقاً ووجداناً، والنجاة في الآخرة، والفوز برضا الله تعالى، ونيل السعادة الأبدية، وتنوير القلب وصفاؤه بحيث ينكشف له أمور جليلة، ويشهد أحوالاً عجيبة، ويُعاينُ ما عميت عنه بصيرة غيره. وفضله: أنه أشرف العلوم ؛ لتعلقه بمعرفة الله تعالى وحبه، وهي أفضل على الإطلاق.
ونسبته إلى غيره من العلوم: أنه أصل لها، وشرط فيها ؛ إذ لا علم ولا عمل إلا بقصد التوجه إلى الله، فنسبته لها كالروح للجسد, وواضعه: الله تبارك تعالى، أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله ؛ فإنه روح الشرائع والأديان المنزلة كلها..
واسمه: علم التصوف، مأخوذ من الصفاء، والصوفي: مَن صفا قلبُه من الكدر، وامتلأ من العِبَر، واستوى عنده الذهبُ والمَدَر.., واستمداده: من الكتاب والسنة والآثار الثابتة عن خواص الأمّة.
وحكم الشارع فيه: الوجوب العيني ؛ إذ لا يخلوأحد من عيب أومرض قلبي، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام..
ومسائله: قضاياه الباحثة عن صفات القلوب، ويتبع ذلك شرح الكلمات التي تُتَداول بين القوم (كالزهد والورع والمحبة والفناء والبقاء).
■ العلامة الشريف الجرجاني في (التعريفات):
التصوف مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل، وهو تصفية القلب عن مواقف البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد صفات البشرية، ومجانبة الدعاوي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله تعلى على الحقيقة، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشريعة.
■ الدكتور أبو الوفا التفتازاني:
في كتابه (مدخل إلى التصوف الإسلامي): ليس التصوف هروبا من واقع الحياة كما يقول خصومه، وإنما هو محاولة الإنسان للتسلح بقيم روحية جديدة، تعينه على مواجهة الحياة المادية، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها.
وفي التصوف الإسلامي من المبادئ الإيجابية ما يحقق تطور المجتمع إلى الأمام فمن ذلك أنه يؤكد على محاسبة الإنسان لنفسه باستمرار ليصحح أخطاءها ويملها بالفضائل، ويجعل فطرته إلى الحياة معتدلة، فلا يتهالك على شهواتها وينغمس في أسبابها إلى الحد الذي ينسى فيه نفسه وربه، فيشقى شقاء لا حد له. والتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية، وبذلك يتحرر تماما من شهواته وأهوائه بإرادة حرة.
■ ابن خلدون (توفي 808 هـ):
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في كلامه عن علم التصوف: (هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع الى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية) المصدر: مقدمة ابن خلدون.
■ الشيخ محمد أبو زهرة:
نحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إلى متصوف بنظام التصوف الحقيقي وذلك لأن شبابنا قد استهوته الأهواء وسيطرت على قلبه الشهوات.. وإذا سيطرت الأهواء والشهوات على جيل من الأجيال أصبحت خطب الخطباء لا تجدي، وكتابة الكتاب لا تجدي، ومواعظ الوعاظ لا تجدي، وحكم العلماء لا تجدي، وأصبحت كل وسائل الهداية لا تجدي شيئا.
إذا لا بد لنا من طريق آخر للإصلاح، هذا الطريق أن نتجه إلى الاستيلاء على نفوس الشباب، وهذا الاستيلاء يكون بطريق الشيخ ومريديه، بحيث يكون في كل قرية وفي كل حي من أحياء المدن وفي كل بيئة علمية أو اجتماعية رجال يقفون موقف الشيخ الصوفي من مريديه.
■ الإمام أبو حنيفة :
نقل الفقيه الحنفي صاحب الدر المختار: أن أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى قال: (أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر اباذي، وقال أبوالقاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهومن السري السقطي، وهومن معروف الكرخي، وهومن داود الطائي، وهوأخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله." ثم قال صاحب الدر معلقا: " فياعجباً لك يا أخي ! ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار والافتخار، وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والطريقة؟ ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع، وكل من خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع).
ولعلك تستغرب عندما تسمع أن الإمام الكبير، أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، يعطي الطريقة لأمثال هؤلاء الأكابر من الأولياء والصالحين من الصوفية.
يقول ابن عابدين رحمه الله تعالى، في حاشيته متحدثا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، تعليقا على كلام صاحب الدر الآنف الذكر: (هوفارس هذا الميدان، فان مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس، وقد وصفه بذلك عامة السلف، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في حقه: إنه كان من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلي القضاء، فلم يفعل. وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة، لأنه كان إماما تقيا نقيا ورعا عالما فقيها، كشف العلم كشفا لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقى. وقال الثوري لمن قال له: جئت من عند أبي حنيفة: لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض). وقال فيه الشافعي الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.
■ الإمام مالك (توفي 179 هـ):
يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: (من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق) المصدر: حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإمام الزرقاني على متن العزيه في الفقه المالكي. وشرح عين العلم وزين الحلم للامام ملا علي قاري.
■ الإمام الشافعي (توفي 204 هـ):
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (صحبت الصوفية فلم استفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات: قولهم: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك. وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وقولهم: العدم عصمة). المصدر "تأييد الحقيقة العلية" للامام جلال الدين السيوطي.
وقال الشافعي أيضا: (حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف) المصدر: "كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث عل ألسنة الناس" للامام العجلوني.
■ الإمام أحمد بن حنبل (توفي 241 هـ):
كان الإمام رحمه الله تعالى قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله تعالى: ( يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فانهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه. فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فانهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة). المصدر: "تنوير القلوب" للعلامة الشيخ أمين الكردي.
وقال العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي رحمه الله تعالى أن الامام أحمد رحمه الله تعالى قال عن الصوفية: (لا أعلم قوما أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة...). المصدر:"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب"
■ الشيخ تاج الدين السبكي (توفي سنة 771 هـ):
وقال الشيخ تاج الدين عبد الوهاب السبكي رحمه الله تعالى: في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم" تحت عنوان الصوفية: (حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبا ناشئا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها، بحيث قال الشيخ أبومحمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حد لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة... ثم تحدث عن تعاريف التصوف إلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم).
■ القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله :
قال عن التصوف: (هو علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية).
" الأقطاب جمع قطب والقطب لغة : ما عليه مدار الشيء وملاكه ، ومنه قطب الرحى . " القاموس المحيط مادة قطب ( قطب ) " .
وفي اصطلاح الصوفية : " القطب وقد يسمى غوثاً باعتبـار التجاء الملهوف إليه . وهو عبـارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان ، أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه ، وهو يسـري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد ، بيده قسطاس الفيض الأعم ، وزنه يتبع علمه ، وعلمه يتبع علم الحق ، وعلم الحق يتـبع الماهيات غير المجعـولة ، فهو يفيض روح الحياة على الكـون الأعلى والأسفل ، وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس ، لا من حيث إنسـانيته " ( التعريفات للجرجاني ص 177- 178 )
"وهو الخليفة الباطن وسيد أهل زمانه ، والقطب والغوث " ( ص 505 مشتهىالخارق ) .
وفي الموسوعة العربية الميسرة إجمال التعريفات الصوفية للقطب حيث جاء فيهـا وصف القطب بأنه : " ذو معنيين عند الصوفية :
أحدهما : الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان ، يسـري في الكون سريان الروح في الجسد ، ويفيـض روح الحياة على الكـون الأعلى والأسفل ، وقد يسمى القطـب غوثاً لالتجاء الملهوف إليه ، فالقطب هنا إنسان اختص بما لم يختص به غيره من الكمال .
والمعنى الثاني : أن يكون القطب قطباً سابقاً في الوجود عليهم وعلى كل ما في عالم الغيب والشهادة ، والأقطاب أربعة : الدسوقي والجيلاني ، والرفاعي ، والبدوي ( مادة قطب ( 1387 ) ) .
بعض العقائد الصوفية المذكورة في حد القطب :
1- أن القطب دائر في جهات الدنيا الأربع : الشرق والغرب والجنوب والشمال ، دوران الفلك في السماء .
2- أنه جامع لكل المقامات والأحوال .
3- أن القطب يسمى غوثاً لكونه ملجأ الملهوفين .
4- أنه موضع نظر الله في كل زمان ، وأعطاه الله الطلسم الأعظم من لدنه .
5- أنه هو الذي يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة ، ويفيض روح الحيـاة على الكون من الأعلى والأسفل .
6- أن طبيعته مزدوجة ، فيه حصة ملكية تحمل مادة الحياة ، وحصة أخرى بشرية .
7- أن للقطبية مقامين : القطبانية الصغرى ، والمتمكن فيها يعمل في عالم الشهادة الحسي إذا غاب أو مات خلف مكانه أقرب بدل منه .
القطبانية العظمى : ومجال علمه يستغرق عالم الغيب والشهادة ، ولا يقوم أحد من الخلائق مقامه ، ويكون على باطن خاتم النبوة .
8- أن القطب خليفة الله في ربوبيته ( حيثما كان الرب إلهاً كان هو خليفته ) ونائبه في تصريف وتنفيذ أحكامه الإلهية ، فلا يصل إلى الخلق جليل أو دقيق إلا بحكمه وتوليه ونيابته .
9- أن روحانية القطب جارية سارية في كل ذرة من ذرات الوجود ، ولو سحبت من أي جـزء من الكون ، فإن الجزء يبقى شبحاً لا حركة له .
لعلنا بهذا العرض نكون على قناعة تامة بأن الشيخ عبد الرحمن الوكيل كان منصفاً وإيجابياً وغير مبالغ حين افتتح كلامه عن القطب بقوله : "أسطورة خرافية ، تنـزع إلى تجريد الله من الربوبية والإلهية وخلعهما على وهم باطل سمي في الفلسلفة : "العقل الأول " وفي المسيحيحة "الكلمة " وفي الصوفية "القطب " ( هذه هي الصوفية ص 124) .
عدد الأقطاب وصفاتهم وبعض وظائفهم في الفكر الصوفي :
عرض هذا المطلب ودراسته يتناول ثلاث نقاط :
الأولى : عدد الأقطاب وأعوانهم :
أقدم من يؤثر عنه تعداد تلك الطبقة الباطنية المندسة في ثنايا الكون العلوي ، السفلي كما ينص عليه الفكر الصوفي هو أبو بكر بن محمد الكتاني حيث قال : " النقباء ثلاثمـائة ، والنجبـاء سبعون ، والأبدال أربعون ، والأخيار سبعة ، والعَمد أربعة ، والغوث واحد ، فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سياحون في الأرض ، والعَمد في زوايا الأرض ، ومسكن الغوث مكة ، فإذا عرضت حاجة ابتهل فيها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ، ثم الأخيار ، ثم العمد ، فإن أجيـبوا وإلا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته " . ( الطبقات الكبرى للشعراني 1/95 ) و ( الدرة الخريدة1/49).
الثانية :بعض مواصفات القطب وأعوانه في الفكر الصوفي :
إن من يتأمل في تعريفات الصوفية للأقطاب ، ليكاد يخرج بقناعة تامة على أنهم يخرجون به عن نطاق البشرية ، ويحلقون به في عالم الربوبية والألوهية ، لكننا حتى نزيد الأمر وضوحاً وجلاء فلا بد أن نوضح هنا بعض المواصفات التي يضيفها الفكر الصوفي على القطب :
الصفة الأولى : أن القطب لا يخفى عليه شيء في الدنيا والآخرة
نقل عبد الوهاب الشعراني عن أبي الحسن الشاذلي أنه ذكر للقطب خمس عشرة علامة ، من بينها : "أن يُمد بمدد العصمة ، والرحمة ، والخلافة ، والنيابة ، ومدد حملة العرش العيظم ، ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ، وحكم ما قبل وما بعد ، وحكم من لا قبل له ولا بعد ، وعلم الإحاطة بكل علم ومعلوم ما بدا من السر الأول إلى منتهاه " ( اليواقيت والجوهر 2/78 ) .
ونقل عن الجيلي أنه قال : " إن للقطابة ستة عشر عالماً إحاطيًّا ، الدنيا والآخرة ومن فيهما عالم واحـد من هذه العوالم ، وهذا الأمر لا يعرفه إلا من اتصف بالقطبية " ( درر الغواص ص 14 - اليواقيت والجواهر ( 2/81 )
نلاحظ في هذه النصوص من المخاطر ما يلي :
1- أن القطب يكشف له عن حقيقة الذات الإلهية فيراها .
2- أن القطب يحيط علماً بصفات الله تعالى .
3- أن علم القطب لا حدود له .
الصفة الثانية : أن القطب له الإحاطة بالشريعة وإن كان أميًّا :
ومن نصوصهم المبينة لعقيدتهم في إحاطة الأقطاب بالشريعة قول التجاني : " فإن شريعتنا التي بأيدينا لم يحط بأحكامها إلا الأفراد من الكمَّل وهم أقطاب هذه الأمة " . ( جواهر المعاني 1/ 213 ) .
ومنها قوله : "ولا يحيط بمعرفة أحكام الشريعة وجميع العلوم التي يحتاجها الناس إلا الفرد الجامع ؛ لأنه هو الحامل للشريعة في كل عصر ولو كان أميًّا لم تسبق له قراءة"( جواهر المعاني 2/ 85) .
بل يذهب علي الخواص إلى أبعد من ذلك فيجعل كل من له قدم في طريق القوم محيطاً بالشريعة ، فيقول : " من لم يبلغ درجة الإحاطة بعلوم الشريعة فليس له في طريق القوم قدم ؛ لأنه كلها طريق غيب غير محسوس للناس ، وما تميز الفقراء عن الفقهاء إلا بهذه الطريقة فأحاطوا علماً بأحكام الشريعة وأسرارها " . ( درر الغواص ص 63 ) .
الصفة الثالثة : أن القطب - في فكرهم - أفضل جماعة المسلمين :
لا خلاف بين أهل السنة والجماعة في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم أفضل الأمة بعد نبيها ، وأن قرنهم الذي عاشوا فيه هو أفضل القرون ، فلا يتصور - عقـلاً ولا شرعاً - أن يأتي بعـد جيلهم من يبلغ قدرهم أو يقارب مرتبتهم ، بل إن المتقدمين من الصحابة لهم الفضل والخيرية على المتأخرين من طبقتهم فكيف بمن يأتي بعدهم بقرون ؟
وأدلتهم على ذلك كثيرة جدًّا كتابًا وسنة : قال تعالى : ( والسّابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعُوهُم بإحسانٍ رَّضي اللهُ عنهُم ورَضُوا عنْهُ ) ( التوبة : 100 ) ومن السنة قوله (ص) : خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ..... الحديث. إلى غير ذلك من الأدلة المشهورة .
ولا يستطيع أحد أن يشهد لأحد بعد جيلهم بأن الله رضي عنه على وجه الثقة واليقين .
هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة . أما المتصوفة فنجد في فكـرهم أنهم يجعلون أقطابهم على رأس قائمة الممتازين عندهم .
يقول التجاني : " وليس في خلق الله عز وجل كله عموماً وإطلاقاً من بعد الأنبياء من البشر والملائكة من يتأتى منه أن يصل إلى مقدار ألف جزء من تقوى قطب الأقطاب ولو بلغ ما بلغ ، فهو أفضل جماعة المسلمين في كل عصر إلا ما كان من مفاتيح الكنوز ، فهو أفضل منهم في أمور ، وهم أفضل منه في أمور " جواهر المعاني ( 1/266 ) .
وقال الخواص : " وأكمل الخلق في كل عصر القطب " . ( الطبقات : 2/ 239 )
الصفة الرابعة : أن مرتبة القطب لا حدود لها :
فلنسمع إلى الشيخ التجاني وهو يقرب مرتبة القطب بأسلوبه المميز حيث يقول :
" وكل عارف على قدر مرتبته في هذا الميدان (ميدان المعارف الإلهية ) إلا القطب فإنه محيط بجميع المراتب أيًّا كان حتى مراتب الملائكة .. فله جميع المراتب ، وله الاستيلاء على جميع المراتب ، وله الذوق في جميع المراتب ، وله الإحاطة الشاملة في جميع المراتب ، له المنع والعطاء في جميع المراتب " و ( جواهر المعاني : 2/106-107) .
وقال أيضاً : " ومما أكرم الله به قطب الأقطاب أن يعلمه علم ما قبل وجود الكون وما وراءه ، وما لانهاية له ، وأن يعلمه علم جميع الأسماء القائم بها نظام كل ذرة من جميع الموجودات ، وأن يخصصه بأسرار دائرة الإحاطة ، وجميع فيوضه ، وما احتوى عليه ) . ( جواهر المعاني : 2/88 ) .
الصفة الخامسة : أن القطب لا يطيق رؤيته إلا الخواص :تحدث الشيخ عثمان الحطاب فقال : " لمــا حججت مع سيدي أبي بكر الدقدوسي سألته أن يجمعني على القطب ، فقال : " اجلس ههنا " ، ومضى ، فغاب عني ساعة ثم حصل عندي ثقل في رأسي فلم أتمالك أحملها حتى لصقت لحيتي بعانتي ، فجلسا يتحدثان بين زمزم والمقام ساعة .. وانصرفا ، ثم رجـع سيدي أبو بكر فقال ارفع رأسك . فقلت : لا أستطـيع .. فقال : ياعثمان هذا حالك وأنت ما رأيته ، فكيف لو رأيته ؟ " . ( الطبقات الكبرى للشعراني 2/94 ) .
النقطة الثالثة : وظائف الأقطاب في الفكر الصوفي :
وأول هذه الوظائف : التصرف في أمر البحر :
سرد أحمد بن المبارك عددًا من الشيوخ الذين ورث سرهم الشيـخ عبد العزيز الدباغ فقال : " وسيدي منصور بن أحمد .. وكان أيضاً قطباً يتصرف في أمر البحر ". ( الإبريز ص 243 ) .
الوظيفة الثانية : أنه لا يجري في عالم المخلوقات شيء إلا بإذن القـطب ، حتى ولو كان جـريانه في القلوب :
يقول صاحب " جواهر المعاني " : " يقول بعض الكبار : إني أرى السماوات السبع والأرضين السبع والعرش داخلاً في وسط ذاتي ، وكذا ما فوق العرش من السبعين حجاباً ، وفي كل حجاب سبعون ألف عام ، وبين كل حجاب وحجاب سبعون ألف عام .. وكذا ما فوق الحجب السبعين من عالم الرقّا ، فكل هؤلاء المخلوقات لا يقع في فكرهم شيء فضلاً عن جوارحهم إلا بإذن صاحب الوقت ، أعني به القطب . قال راوي الجواهر معلقاً : وهذه المرتبة أعطاها الحق له ( يعني التجاني ) لكونه خليفة عنه " ( جواهر المعاني 21/89 )
الوظيفة الثالثة : وقاية المريدين من السؤال والحساب في الآخرة :
هنا يتحدث أحمد بن المبارك فيقول : "شكوت له - يعني شيخه الدباغ وهو قطب من أقطابهم - ذات يوم أمراً نزل بي فيه ضرر في الدين والدنيا لا تؤمن غائلته . فقال لي : " ... أما في الدنيا فلا تخش منه أبداً ، وأما في الآخرة فأنا أتكفل لك على الله تعالى أنك لا تُسأل عن هذا الأمر ولا تحاسب عليه " .( الإبريز ص 338) .
الوظيفة الرابعة : أن القطب هو الدينامو ( المحرك ) لكل عابد :
"إن القطب في كل عصر له وجهه إلى كل ذرة من الموجودات يمدها ويقومها ذرة ذرة ، فما من ساجد سجد لله تعالى في الوجود ، أو راكع ركع لله ، أو قائم قام لله تعالى ، أو متحرك تحرك لله تعالى ، أو ذاكـر ذكر الله تعالى بأي ذكر في جميع الوجود إلا والقطـب في ذلك هو المقيم له ، فبه سبـح المسبح ، وبه عبد العابد ، وبه سجد الساجد " ( جواهر المعاني 1/266 - 267 ) .
هذه الوظيفة من أخطر الوظائف التي ينوطها الصوفية بقطبهم ، حيث يدير جوارح الناس ، ويقــود توجهاتهم ، ولا حظ ما في تعريف الطرفين من قوله " هو المقيم " وما في تقديم المعمول من قـوله : " فبـه سبح " ، " وبه عبد " من قصر وحصر .
الوظيفة الخامسة : توجيه قلوب الناس إلى عبادة غير الله :
سئل الدباغ : " لم كان الناس يستغيثون بذكر الصالحين دون الله عز وجل ، فترى الواحد إذا جهد في يمينه يقول : أحلف لي بسيدي فلان .. وإذا قيل لهم توصلوا بالله ، أو احلفوا به ، أو نحـو ذلك ، لا يقع ذلك الكلام منهم موقعاً ، فما السبب في ذلك ؟ فأجاب بأن : " أهـل الديوان من أولياء الله فعلوا ذلك عمدًا لقوة الظلام في الذوات .. وأولياء الله تعالى يحبون الذين يذكرون سيدهم وخالقهم سبحانه أن تكون ذواتهم طاهرة .. فلو توجهت الذات الظلمانية إليه تعالى بجميع عروقها وبكل جواهرها وسألته أمراً ومنعها ولم يطلعها على سر القدر - لأن الاطلاع عليه لا يكون إلا للأولياء - في المنع لربما وقع لها وسـواس في وجود الحق ، فتقع فيما هو أدهى وأمر ... فكان من المصلحة ما فعله أهل الديوان من ربط عقول النـاس بعباد الله الصالحين ، لأنه إذا وقع لهم وسواس في كونهم أولياء فإن ذلك لا يضرهم " ( الإبريز : 163،164 )
وأخيراً ليست هذه كل وظائف الأقطاب ، لكننا اكتفينا بما ذكرنا إيثارًا للإيجاز وإشارة إلى أن المقصود حاصل به ، ألا وهو البرهنة على وجود هذه الوظائف الخطرة للأقطاب في الفكر الصوفي .
الولاية عند أهل السنة هي التي عرَّفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ، حيث قال تعالى : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ، لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس/62-64
فأعلنت الآية أن ولي الله هو المؤمن التقي ، الذي يحب الله وينصره ، ويسير في مرضاته ، ويحفظ حدوده ، ويقيم شريعته ودينه ، وهو عبد من عباد الله ، لا يخرج عن قهره وسلطانه ، بل لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا يعلم ما قدر الله له ، فهذا هو ولي الله عند أهل السنة .
وطريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض ، ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله تعالى ، فإذا أحبه كان وليا حقا له جل وعلا ، وقد جاء في الحديث الصحيح :
( إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ . قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ . ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ ، قَالَ : ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القبُولُ فِي الأَرضِ ) رواه مسلم (2637)
"إنما سُمي الأبدال أبدالا لأنهم لا يريدون مع إرادة الله عز وجل إرادة، ولا يختارون مع اختياره اختيارا. يحكمون الحكم الظاهر، ويعملون الأعمال الظاهرة، ثم يتفردون إلى أعمال تخصهم. كلما ترقت درجاتهم يزدادون أمرا ونهيا(...) لا يخرِّبون حدود الشرع، لأن ترك العبادات زندقة".
والعياذ بالله من الزندقة..
وهم مع ذلك كله قطرة من مقاماته صلى الله عليه وآله وسلم و ذرة من جبال كراماته.. اللهم صل على سيدنا محمد النبي و أزواجه أمهات المومنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم في إنك حميد مجيد.
قال سيدي عبد القادر الجيلاني رحمه الله ما يلي:
"إذا تَرَقَّتْ درجة العبد من الإسلام إلى الإيمان، من الإيمان إلى الإيقان، من الإيقان إلى المعرفة، من المعرفة إلى العلم، من العلم إلى المحبة، من المحبة إلى المحبوبية، من طلبيته إلى مطلوبيته، فحينئذ إذا غفل لم يُتْرَكْ، وإذا نسي ذُكِّر، وإذا نام نُبِّهَ، وإذا غفل أوقظ، وإذا ولّى أقبَل، وإذا سَكَتَ نَطَق. فلا يزال أبدا مستيقظا صافيا، لأنه قد صفت آنية قلبه. يُرى من ظاهرها باطنُها. ورث اليقظة من نبيه صلى الله عليه وسلم، كانت تنام عينه ولا ينام قلبه، وكان يرى من ورائه كما يرى من أمامه. كل أحد يقظته على قدر حاله. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يصل أحد إلى يقظته، ولا يقدر أن يشاركه أحد في خصائصه. غير أن الأبدال والأولياء من أمّته يردون على بقايا طعامه وشرابه، يُعطون قطرة من بحار مقاماته، وذَرَّة من جبال كراماته، لأنهم وراءَه، المتمسكون بدينه، الناصرون له، الدالّون عليه، الناشرون لعَلَم دينه وشرعه. عليهم سلام الله وتحياتُه، وعلى الوارثين له إلى يوم القيامة".
هؤلاء أخي الكريم هم الحاملون لكلمة التوحيد، القيمون القائمون على كنوزها هم المجددون..
لا إله إلا الله لا إله إلا الله لا إله إلا الله.
قال الشيخ عبد القادر رحمه الله وهو يصف العارفين الكمل:
"يرى الخلق كأنهم قبور تمشي. وإذا اجتاز على القبور أحسَّ بما فيها من النعيم والعذاب. يرى القيامة وما فيها من القيام والمواقف. يرى رحمة الله عز وجل وعذابه. يرى الملائكة قياما والأنبياء والمرسلين والأبدال والأولياء على مراتبهم. يرى أهل الجنة يتزاورون، وأهل النار في النار يتعاوَوْن.
"من صح يقينه نظر بعين رأسه الخلق، وبعين قلبه فعل الله عز وجل فيهم، يرى تحريكه وتسكينه لهم، فهذا نظر العزة. من أولياء الله عز وجل من إذا نظر إلى شخص رأى ظاهره بعين رأسه، وباطنه بعين قلبه. وينظر مولاه عز وجل بعين سره".
أين نحن من هؤلاء يا أخي الكريم ..؟؟؟
أخي الكريم أو هل نرى مثل ما يرون ؟؟؟
قال إمامنا الشيخ عبد القادر قدس الله روحه : "يا غلام هذا الزهد ليس هو صنعة تتعلمها. ليس هو شيئا تأخذه بيدك وترميه. بل هو خَطَوات أولها النظر في وجه الدنيا، فتراها كما هي على صورتها عند من تقدم من الأنبياء والرسل وعند الأولياء والأبدال الذين لم يَخْلُ منهم زمان. إنما تصح رؤيتك لها باتباع من تقدم في الأقوال والأفعال. إذا تبعتهم رأيت ما رأوا. وإذا كنت على أثر القوم قولا وفعلا، خلوة وجَلوَة، علما وعملا، صورة ومعنى، تصوم كصيامهم، وتصلي كصلاتهم، وتأخذ كأخذهم، وتترك كتركهم، فحينئذ يعطيك الله نوراً ترى به نفسك وغيرك، يبيِّن لك عيوبك وعيوب الخلق، فتزهد في نَفْسِك وفي الخلق أجمع. فإذا صح لك ذلك جاءت أنوار القرب إلى قلبك، صِرْتَ مومنا موقنا عارفا عالما. فترى الأشياء على صوَرها ومعانيها. ترى الدنيا كما رآها من تقدم من الزاهدين المعرضين. تراها في صورة عجوز شوهاءَ قبيحة المنظر. فهي عند هؤلاء القوم على هذه الصفة، وعند الملوك كالعروس المَجْلِيَّة في أحسن صورة. هي عند القوم حقيرة ذليلة، يُحرقون شعرها ويَخرقون ثيابها، ويخمِشون وجهها ويأخذون أقسامهم في صحبة الآخرة. يا غلام! إذا صح لك الزهد في الدنيا فازهد في اختيارك وفي الخلقِ".
هل صح لنا الزهد في الدنيا وفي اختيارنا وفي الخلق..؟؟؟
أم فررنا من البلاء والآفات والعقبات فلا حاجة لنا في معرفة أو ولاية ..؟؟؟
■ الإمام النووي (توفي سنة 676 هـ):
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في رسالته "مقاصد الإمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف": (أصول طريق التصوف خمسة:
1. تقوى الله في السر والعلانية
2. اتباع السنة في الأقوال والأفعال
3. الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار
4. الرضى عن الله في القليل والكثير
5. الرجوع إلى الله في السراء والضراء)
■ الإمام أبو حامد الغزالي (توفي سنة 505 هـ):
وها هو ذا حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى يتحدث في كتابه "المنقذ من الضلال" عن الصوفية وعن سلوكهم وطريقتهم الحق الموصلة إلى الله تعالى فيقول:
(ولقد علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق...ثم يقول ردا على من أنكر على الصوفية وتهجم عليهم: وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها- وهي أول شروطها- تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله).
ويقول أيضاً بعد أن اختبر طريق التصوف ولمس نتائجه وذاق ثمراته: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إلا يخلوأحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام).
■ الإمام فخر الدين الرازي (توفي سنة 606 هـ):
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الامام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين": "الباب الثامن في أحوال الصوفية: اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هوالتصفية والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن.. وقال أيضا: والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألا يخلوسرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين
■ أبو الفضل عبد الله الصّدّيق الغماري :
إن التصوف كبير قدره، جليل خطره، عظيم وقعه، عميق نفعه، أنواره لامعة، وأثماره يانعة، واديه قريع خصيب، وناديه يندولقاصديه من كل خير بنصيب، يزكي النفس من الدنس، ويطهر الأنفاس من الأرجاس، ويرقي الأرواح إلى مراقي الفلاح، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن. وهو إلى جانب هذا ركن من أركان الدين، وجزء متمم لمقامات اليقين.
خلاصته: تسليم الأمور كلها لله، والالتجاء في كل الشؤون إليه. مع الرضا بالمقدور، من غير إهمال في واجب ولا مقاربة المحظور. كثرة أقوال العلماء في تعريفه، واختلفت أنظارهم في تحديده وتوصيفه، وذلك دليل على شرف اسمه ومسماه، ينبئ عن سموغايته ومرماه.. وإنما عبر كل قائل بحسب مدركه ومشربه. وعلى نحواختلافهم في التصوف اختلفوا في معنى الصوفي واشتقاقه.
ثم: إن التصوف مبني على الكتاب والسنة، لا يخرج عنهما قيد أنملة.
والحاصل: أنهم أهل الله وخاصته، الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم.
ومن أوصاف هذه الطائفة: الرأفة، والرحمة، والعفو، والصفح، وعدم المؤاخذة.
أما تاريخ التصوف فيظهر في فتوى للإمام الحافظ السيد محمد صديق الغماري رحمه الله، فقد سئل عن أول من أسس التصوف؟ وهل هوبوحيٍ سماوي؟ فأجاب: (أما أول من أسس الطريقة فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هوأحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما بينها واحدا واحدا ديناً بقوله: هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم، وهوالإسلام والإيمان والإحسان.فالإسلام طاعة وعبادة، والإيمان نور وعقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة، وأول من تسمى بالصوفي في أهل السنة أبوهاشم الصوفي المتوفي سنة 150 وكان من النساك، ويجيد الكلام، وينطق الشعر كما وصفه الحفاظ).
■ الإمام العز بن عبد السلام (توفي سنة 660 هـ):
قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: (قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى، وقعد غيرهم على الرسوم، مما يدلك على ذلك ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فانه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، ولوكان العلم من غير عمل يرضي الحق تعالى كل الرضى لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولولم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات" المصدر:"نور التحقيق" للشيخ حامد صقر).
■ العلامة الشيخ محمد أمين الكردي:
ينبغي لكل شارع في فن أن يتصوره قبل الشروع فيه ؛ ليكون على بصيرة فيه، ولا يحصل التصور إلا بمعرفة المبادئ العشرة المذكورة..
فحدّ التصوف: هو علم يُعرف به أحوال النفس محمود ها ومذموم ها، وكيفية تطهيرها من المذموم منها، وتحليتها بالاتصاف بمحمودها، وكيفية السلوك والسير إلى الله تعالى، والفرار إليه..
وموضوعه: أفعال القلب والحواس من حيث التزكية والتصفية.
وثمرته: تهذيب القلوب، ومعرفة علام الغيوب ذوقاً ووجداناً، والنجاة في الآخرة، والفوز برضا الله تعالى، ونيل السعادة الأبدية، وتنوير القلب وصفاؤه بحيث ينكشف له أمور جليلة، ويشهد أحوالاً عجيبة، ويُعاينُ ما عميت عنه بصيرة غيره. وفضله: أنه أشرف العلوم ؛ لتعلقه بمعرفة الله تعالى وحبه، وهي أفضل على الإطلاق.
ونسبته إلى غيره من العلوم: أنه أصل لها، وشرط فيها ؛ إذ لا علم ولا عمل إلا بقصد التوجه إلى الله، فنسبته لها كالروح للجسد, وواضعه: الله تبارك تعالى، أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله ؛ فإنه روح الشرائع والأديان المنزلة كلها..
واسمه: علم التصوف، مأخوذ من الصفاء، والصوفي: مَن صفا قلبُه من الكدر، وامتلأ من العِبَر، واستوى عنده الذهبُ والمَدَر.., واستمداده: من الكتاب والسنة والآثار الثابتة عن خواص الأمّة.
وحكم الشارع فيه: الوجوب العيني ؛ إذ لا يخلوأحد من عيب أومرض قلبي، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام..
ومسائله: قضاياه الباحثة عن صفات القلوب، ويتبع ذلك شرح الكلمات التي تُتَداول بين القوم (كالزهد والورع والمحبة والفناء والبقاء).
■ العلامة الشريف الجرجاني في (التعريفات):
التصوف مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل، وهو تصفية القلب عن مواقف البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد صفات البشرية، ومجانبة الدعاوي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله تعلى على الحقيقة، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشريعة.
■ الدكتور أبو الوفا التفتازاني:
في كتابه (مدخل إلى التصوف الإسلامي): ليس التصوف هروبا من واقع الحياة كما يقول خصومه، وإنما هو محاولة الإنسان للتسلح بقيم روحية جديدة، تعينه على مواجهة الحياة المادية، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها.
وفي التصوف الإسلامي من المبادئ الإيجابية ما يحقق تطور المجتمع إلى الأمام فمن ذلك أنه يؤكد على محاسبة الإنسان لنفسه باستمرار ليصحح أخطاءها ويملها بالفضائل، ويجعل فطرته إلى الحياة معتدلة، فلا يتهالك على شهواتها وينغمس في أسبابها إلى الحد الذي ينسى فيه نفسه وربه، فيشقى شقاء لا حد له. والتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية، وبذلك يتحرر تماما من شهواته وأهوائه بإرادة حرة.
■ ابن خلدون (توفي 808 هـ):
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في كلامه عن علم التصوف: (هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع الى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية) المصدر: مقدمة ابن خلدون.
■ الشيخ محمد أبو زهرة:
نحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إلى متصوف بنظام التصوف الحقيقي وذلك لأن شبابنا قد استهوته الأهواء وسيطرت على قلبه الشهوات.. وإذا سيطرت الأهواء والشهوات على جيل من الأجيال أصبحت خطب الخطباء لا تجدي، وكتابة الكتاب لا تجدي، ومواعظ الوعاظ لا تجدي، وحكم العلماء لا تجدي، وأصبحت كل وسائل الهداية لا تجدي شيئا.
إذا لا بد لنا من طريق آخر للإصلاح، هذا الطريق أن نتجه إلى الاستيلاء على نفوس الشباب، وهذا الاستيلاء يكون بطريق الشيخ ومريديه، بحيث يكون في كل قرية وفي كل حي من أحياء المدن وفي كل بيئة علمية أو اجتماعية رجال يقفون موقف الشيخ الصوفي من مريديه.
■ الإمام أبو حنيفة :
نقل الفقيه الحنفي صاحب الدر المختار: أن أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى قال: (أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر اباذي، وقال أبوالقاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهومن السري السقطي، وهومن معروف الكرخي، وهومن داود الطائي، وهوأخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله." ثم قال صاحب الدر معلقا: " فياعجباً لك يا أخي ! ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار والافتخار، وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والطريقة؟ ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع، وكل من خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع).
ولعلك تستغرب عندما تسمع أن الإمام الكبير، أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، يعطي الطريقة لأمثال هؤلاء الأكابر من الأولياء والصالحين من الصوفية.
يقول ابن عابدين رحمه الله تعالى، في حاشيته متحدثا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، تعليقا على كلام صاحب الدر الآنف الذكر: (هوفارس هذا الميدان، فان مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس، وقد وصفه بذلك عامة السلف، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في حقه: إنه كان من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلي القضاء، فلم يفعل. وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة، لأنه كان إماما تقيا نقيا ورعا عالما فقيها، كشف العلم كشفا لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقى. وقال الثوري لمن قال له: جئت من عند أبي حنيفة: لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض). وقال فيه الشافعي الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.
■ الإمام مالك (توفي 179 هـ):
يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: (من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق) المصدر: حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإمام الزرقاني على متن العزيه في الفقه المالكي. وشرح عين العلم وزين الحلم للامام ملا علي قاري.
■ الإمام الشافعي (توفي 204 هـ):
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (صحبت الصوفية فلم استفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات: قولهم: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك. وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وقولهم: العدم عصمة). المصدر "تأييد الحقيقة العلية" للامام جلال الدين السيوطي.
وقال الشافعي أيضا: (حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف) المصدر: "كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث عل ألسنة الناس" للامام العجلوني.
■ الإمام أحمد بن حنبل (توفي 241 هـ):
كان الإمام رحمه الله تعالى قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله تعالى: ( يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فانهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه. فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فانهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة). المصدر: "تنوير القلوب" للعلامة الشيخ أمين الكردي.
وقال العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي رحمه الله تعالى أن الامام أحمد رحمه الله تعالى قال عن الصوفية: (لا أعلم قوما أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة...). المصدر:"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب"
■ الشيخ تاج الدين السبكي (توفي سنة 771 هـ):
وقال الشيخ تاج الدين عبد الوهاب السبكي رحمه الله تعالى: في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم" تحت عنوان الصوفية: (حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبا ناشئا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها، بحيث قال الشيخ أبومحمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حد لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة... ثم تحدث عن تعاريف التصوف إلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم).
■ القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله :
قال عن التصوف: (هو علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية).
" الأقطاب جمع قطب والقطب لغة : ما عليه مدار الشيء وملاكه ، ومنه قطب الرحى . " القاموس المحيط مادة قطب ( قطب ) " .
وفي اصطلاح الصوفية : " القطب وقد يسمى غوثاً باعتبـار التجاء الملهوف إليه . وهو عبـارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان ، أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه ، وهو يسـري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد ، بيده قسطاس الفيض الأعم ، وزنه يتبع علمه ، وعلمه يتبع علم الحق ، وعلم الحق يتـبع الماهيات غير المجعـولة ، فهو يفيض روح الحياة على الكـون الأعلى والأسفل ، وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس ، لا من حيث إنسـانيته " ( التعريفات للجرجاني ص 177- 178 )
"وهو الخليفة الباطن وسيد أهل زمانه ، والقطب والغوث " ( ص 505 مشتهىالخارق ) .
وفي الموسوعة العربية الميسرة إجمال التعريفات الصوفية للقطب حيث جاء فيهـا وصف القطب بأنه : " ذو معنيين عند الصوفية :
أحدهما : الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان ، يسـري في الكون سريان الروح في الجسد ، ويفيـض روح الحياة على الكـون الأعلى والأسفل ، وقد يسمى القطـب غوثاً لالتجاء الملهوف إليه ، فالقطب هنا إنسان اختص بما لم يختص به غيره من الكمال .
والمعنى الثاني : أن يكون القطب قطباً سابقاً في الوجود عليهم وعلى كل ما في عالم الغيب والشهادة ، والأقطاب أربعة : الدسوقي والجيلاني ، والرفاعي ، والبدوي ( مادة قطب ( 1387 ) ) .
بعض العقائد الصوفية المذكورة في حد القطب :
1- أن القطب دائر في جهات الدنيا الأربع : الشرق والغرب والجنوب والشمال ، دوران الفلك في السماء .
2- أنه جامع لكل المقامات والأحوال .
3- أن القطب يسمى غوثاً لكونه ملجأ الملهوفين .
4- أنه موضع نظر الله في كل زمان ، وأعطاه الله الطلسم الأعظم من لدنه .
5- أنه هو الذي يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة ، ويفيض روح الحيـاة على الكون من الأعلى والأسفل .
6- أن طبيعته مزدوجة ، فيه حصة ملكية تحمل مادة الحياة ، وحصة أخرى بشرية .
7- أن للقطبية مقامين : القطبانية الصغرى ، والمتمكن فيها يعمل في عالم الشهادة الحسي إذا غاب أو مات خلف مكانه أقرب بدل منه .
القطبانية العظمى : ومجال علمه يستغرق عالم الغيب والشهادة ، ولا يقوم أحد من الخلائق مقامه ، ويكون على باطن خاتم النبوة .
8- أن القطب خليفة الله في ربوبيته ( حيثما كان الرب إلهاً كان هو خليفته ) ونائبه في تصريف وتنفيذ أحكامه الإلهية ، فلا يصل إلى الخلق جليل أو دقيق إلا بحكمه وتوليه ونيابته .
9- أن روحانية القطب جارية سارية في كل ذرة من ذرات الوجود ، ولو سحبت من أي جـزء من الكون ، فإن الجزء يبقى شبحاً لا حركة له .
لعلنا بهذا العرض نكون على قناعة تامة بأن الشيخ عبد الرحمن الوكيل كان منصفاً وإيجابياً وغير مبالغ حين افتتح كلامه عن القطب بقوله : "أسطورة خرافية ، تنـزع إلى تجريد الله من الربوبية والإلهية وخلعهما على وهم باطل سمي في الفلسلفة : "العقل الأول " وفي المسيحيحة "الكلمة " وفي الصوفية "القطب " ( هذه هي الصوفية ص 124) .
عدد الأقطاب وصفاتهم وبعض وظائفهم في الفكر الصوفي :
عرض هذا المطلب ودراسته يتناول ثلاث نقاط :
الأولى : عدد الأقطاب وأعوانهم :
أقدم من يؤثر عنه تعداد تلك الطبقة الباطنية المندسة في ثنايا الكون العلوي ، السفلي كما ينص عليه الفكر الصوفي هو أبو بكر بن محمد الكتاني حيث قال : " النقباء ثلاثمـائة ، والنجبـاء سبعون ، والأبدال أربعون ، والأخيار سبعة ، والعَمد أربعة ، والغوث واحد ، فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سياحون في الأرض ، والعَمد في زوايا الأرض ، ومسكن الغوث مكة ، فإذا عرضت حاجة ابتهل فيها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ، ثم الأخيار ، ثم العمد ، فإن أجيـبوا وإلا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته " . ( الطبقات الكبرى للشعراني 1/95 ) و ( الدرة الخريدة1/49).
الثانية :بعض مواصفات القطب وأعوانه في الفكر الصوفي :
إن من يتأمل في تعريفات الصوفية للأقطاب ، ليكاد يخرج بقناعة تامة على أنهم يخرجون به عن نطاق البشرية ، ويحلقون به في عالم الربوبية والألوهية ، لكننا حتى نزيد الأمر وضوحاً وجلاء فلا بد أن نوضح هنا بعض المواصفات التي يضيفها الفكر الصوفي على القطب :
الصفة الأولى : أن القطب لا يخفى عليه شيء في الدنيا والآخرة
نقل عبد الوهاب الشعراني عن أبي الحسن الشاذلي أنه ذكر للقطب خمس عشرة علامة ، من بينها : "أن يُمد بمدد العصمة ، والرحمة ، والخلافة ، والنيابة ، ومدد حملة العرش العيظم ، ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ، وحكم ما قبل وما بعد ، وحكم من لا قبل له ولا بعد ، وعلم الإحاطة بكل علم ومعلوم ما بدا من السر الأول إلى منتهاه " ( اليواقيت والجوهر 2/78 ) .
ونقل عن الجيلي أنه قال : " إن للقطابة ستة عشر عالماً إحاطيًّا ، الدنيا والآخرة ومن فيهما عالم واحـد من هذه العوالم ، وهذا الأمر لا يعرفه إلا من اتصف بالقطبية " ( درر الغواص ص 14 - اليواقيت والجواهر ( 2/81 )
نلاحظ في هذه النصوص من المخاطر ما يلي :
1- أن القطب يكشف له عن حقيقة الذات الإلهية فيراها .
2- أن القطب يحيط علماً بصفات الله تعالى .
3- أن علم القطب لا حدود له .
الصفة الثانية : أن القطب له الإحاطة بالشريعة وإن كان أميًّا :
ومن نصوصهم المبينة لعقيدتهم في إحاطة الأقطاب بالشريعة قول التجاني : " فإن شريعتنا التي بأيدينا لم يحط بأحكامها إلا الأفراد من الكمَّل وهم أقطاب هذه الأمة " . ( جواهر المعاني 1/ 213 ) .
ومنها قوله : "ولا يحيط بمعرفة أحكام الشريعة وجميع العلوم التي يحتاجها الناس إلا الفرد الجامع ؛ لأنه هو الحامل للشريعة في كل عصر ولو كان أميًّا لم تسبق له قراءة"( جواهر المعاني 2/ 85) .
بل يذهب علي الخواص إلى أبعد من ذلك فيجعل كل من له قدم في طريق القوم محيطاً بالشريعة ، فيقول : " من لم يبلغ درجة الإحاطة بعلوم الشريعة فليس له في طريق القوم قدم ؛ لأنه كلها طريق غيب غير محسوس للناس ، وما تميز الفقراء عن الفقهاء إلا بهذه الطريقة فأحاطوا علماً بأحكام الشريعة وأسرارها " . ( درر الغواص ص 63 ) .
الصفة الثالثة : أن القطب - في فكرهم - أفضل جماعة المسلمين :
لا خلاف بين أهل السنة والجماعة في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم أفضل الأمة بعد نبيها ، وأن قرنهم الذي عاشوا فيه هو أفضل القرون ، فلا يتصور - عقـلاً ولا شرعاً - أن يأتي بعـد جيلهم من يبلغ قدرهم أو يقارب مرتبتهم ، بل إن المتقدمين من الصحابة لهم الفضل والخيرية على المتأخرين من طبقتهم فكيف بمن يأتي بعدهم بقرون ؟
وأدلتهم على ذلك كثيرة جدًّا كتابًا وسنة : قال تعالى : ( والسّابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعُوهُم بإحسانٍ رَّضي اللهُ عنهُم ورَضُوا عنْهُ ) ( التوبة : 100 ) ومن السنة قوله (ص) : خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ..... الحديث. إلى غير ذلك من الأدلة المشهورة .
ولا يستطيع أحد أن يشهد لأحد بعد جيلهم بأن الله رضي عنه على وجه الثقة واليقين .
هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة . أما المتصوفة فنجد في فكـرهم أنهم يجعلون أقطابهم على رأس قائمة الممتازين عندهم .
يقول التجاني : " وليس في خلق الله عز وجل كله عموماً وإطلاقاً من بعد الأنبياء من البشر والملائكة من يتأتى منه أن يصل إلى مقدار ألف جزء من تقوى قطب الأقطاب ولو بلغ ما بلغ ، فهو أفضل جماعة المسلمين في كل عصر إلا ما كان من مفاتيح الكنوز ، فهو أفضل منهم في أمور ، وهم أفضل منه في أمور " جواهر المعاني ( 1/266 ) .
وقال الخواص : " وأكمل الخلق في كل عصر القطب " . ( الطبقات : 2/ 239 )
الصفة الرابعة : أن مرتبة القطب لا حدود لها :
فلنسمع إلى الشيخ التجاني وهو يقرب مرتبة القطب بأسلوبه المميز حيث يقول :
" وكل عارف على قدر مرتبته في هذا الميدان (ميدان المعارف الإلهية ) إلا القطب فإنه محيط بجميع المراتب أيًّا كان حتى مراتب الملائكة .. فله جميع المراتب ، وله الاستيلاء على جميع المراتب ، وله الذوق في جميع المراتب ، وله الإحاطة الشاملة في جميع المراتب ، له المنع والعطاء في جميع المراتب " و ( جواهر المعاني : 2/106-107) .
وقال أيضاً : " ومما أكرم الله به قطب الأقطاب أن يعلمه علم ما قبل وجود الكون وما وراءه ، وما لانهاية له ، وأن يعلمه علم جميع الأسماء القائم بها نظام كل ذرة من جميع الموجودات ، وأن يخصصه بأسرار دائرة الإحاطة ، وجميع فيوضه ، وما احتوى عليه ) . ( جواهر المعاني : 2/88 ) .
الصفة الخامسة : أن القطب لا يطيق رؤيته إلا الخواص :تحدث الشيخ عثمان الحطاب فقال : " لمــا حججت مع سيدي أبي بكر الدقدوسي سألته أن يجمعني على القطب ، فقال : " اجلس ههنا " ، ومضى ، فغاب عني ساعة ثم حصل عندي ثقل في رأسي فلم أتمالك أحملها حتى لصقت لحيتي بعانتي ، فجلسا يتحدثان بين زمزم والمقام ساعة .. وانصرفا ، ثم رجـع سيدي أبو بكر فقال ارفع رأسك . فقلت : لا أستطـيع .. فقال : ياعثمان هذا حالك وأنت ما رأيته ، فكيف لو رأيته ؟ " . ( الطبقات الكبرى للشعراني 2/94 ) .
النقطة الثالثة : وظائف الأقطاب في الفكر الصوفي :
وأول هذه الوظائف : التصرف في أمر البحر :
سرد أحمد بن المبارك عددًا من الشيوخ الذين ورث سرهم الشيـخ عبد العزيز الدباغ فقال : " وسيدي منصور بن أحمد .. وكان أيضاً قطباً يتصرف في أمر البحر ". ( الإبريز ص 243 ) .
الوظيفة الثانية : أنه لا يجري في عالم المخلوقات شيء إلا بإذن القـطب ، حتى ولو كان جـريانه في القلوب :
يقول صاحب " جواهر المعاني " : " يقول بعض الكبار : إني أرى السماوات السبع والأرضين السبع والعرش داخلاً في وسط ذاتي ، وكذا ما فوق العرش من السبعين حجاباً ، وفي كل حجاب سبعون ألف عام ، وبين كل حجاب وحجاب سبعون ألف عام .. وكذا ما فوق الحجب السبعين من عالم الرقّا ، فكل هؤلاء المخلوقات لا يقع في فكرهم شيء فضلاً عن جوارحهم إلا بإذن صاحب الوقت ، أعني به القطب . قال راوي الجواهر معلقاً : وهذه المرتبة أعطاها الحق له ( يعني التجاني ) لكونه خليفة عنه " ( جواهر المعاني 21/89 )
الوظيفة الثالثة : وقاية المريدين من السؤال والحساب في الآخرة :
هنا يتحدث أحمد بن المبارك فيقول : "شكوت له - يعني شيخه الدباغ وهو قطب من أقطابهم - ذات يوم أمراً نزل بي فيه ضرر في الدين والدنيا لا تؤمن غائلته . فقال لي : " ... أما في الدنيا فلا تخش منه أبداً ، وأما في الآخرة فأنا أتكفل لك على الله تعالى أنك لا تُسأل عن هذا الأمر ولا تحاسب عليه " .( الإبريز ص 338) .
الوظيفة الرابعة : أن القطب هو الدينامو ( المحرك ) لكل عابد :
"إن القطب في كل عصر له وجهه إلى كل ذرة من الموجودات يمدها ويقومها ذرة ذرة ، فما من ساجد سجد لله تعالى في الوجود ، أو راكع ركع لله ، أو قائم قام لله تعالى ، أو متحرك تحرك لله تعالى ، أو ذاكـر ذكر الله تعالى بأي ذكر في جميع الوجود إلا والقطـب في ذلك هو المقيم له ، فبه سبـح المسبح ، وبه عبد العابد ، وبه سجد الساجد " ( جواهر المعاني 1/266 - 267 ) .
هذه الوظيفة من أخطر الوظائف التي ينوطها الصوفية بقطبهم ، حيث يدير جوارح الناس ، ويقــود توجهاتهم ، ولا حظ ما في تعريف الطرفين من قوله " هو المقيم " وما في تقديم المعمول من قـوله : " فبـه سبح " ، " وبه عبد " من قصر وحصر .
الوظيفة الخامسة : توجيه قلوب الناس إلى عبادة غير الله :
سئل الدباغ : " لم كان الناس يستغيثون بذكر الصالحين دون الله عز وجل ، فترى الواحد إذا جهد في يمينه يقول : أحلف لي بسيدي فلان .. وإذا قيل لهم توصلوا بالله ، أو احلفوا به ، أو نحـو ذلك ، لا يقع ذلك الكلام منهم موقعاً ، فما السبب في ذلك ؟ فأجاب بأن : " أهـل الديوان من أولياء الله فعلوا ذلك عمدًا لقوة الظلام في الذوات .. وأولياء الله تعالى يحبون الذين يذكرون سيدهم وخالقهم سبحانه أن تكون ذواتهم طاهرة .. فلو توجهت الذات الظلمانية إليه تعالى بجميع عروقها وبكل جواهرها وسألته أمراً ومنعها ولم يطلعها على سر القدر - لأن الاطلاع عليه لا يكون إلا للأولياء - في المنع لربما وقع لها وسـواس في وجود الحق ، فتقع فيما هو أدهى وأمر ... فكان من المصلحة ما فعله أهل الديوان من ربط عقول النـاس بعباد الله الصالحين ، لأنه إذا وقع لهم وسواس في كونهم أولياء فإن ذلك لا يضرهم " ( الإبريز : 163،164 )
وأخيراً ليست هذه كل وظائف الأقطاب ، لكننا اكتفينا بما ذكرنا إيثارًا للإيجاز وإشارة إلى أن المقصود حاصل به ، ألا وهو البرهنة على وجود هذه الوظائف الخطرة للأقطاب في الفكر الصوفي .
الإثنين ديسمبر 01, 2014 6:10 am من طرف عبدالقـــادر
» ارخص اسعار الحج السياحى طيران من مصر مع سلطانة تورز 2014
السبت يونيو 07, 2014 3:59 am من طرف احمد تركى
» فك السحر فك العمل فك المس علاج المس فلاج قراني للسحر
الخميس ديسمبر 26, 2013 11:00 am من طرف انا فيروز
» بشـــــــــــــــــــرى لكـــــــل ربــه منزل وسيده اخيــــــــرا
الإثنين ديسمبر 02, 2013 12:47 pm من طرف انا فيروز
» الهي ادعوك وارجوك فما من اله غيرك يدعى فيرجى فيجيب الا انت يا الله
الأحد أكتوبر 21, 2012 1:05 am من طرف amho2005
» عيد الاضحىالمبارك اعاده الله علينا وعليكموعلى كل من قال لااله الا الله محمد رسول الله بكل الخير والسلام
السبت أكتوبر 13, 2012 8:08 am من طرف سلطان العاشقين
» يسرنا نحن مكتب أبراج مكة للعمرة والزيارة أن نقدم خدماتنا لزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة وأداء مناسك العمرة . وخدماتنا متمثلة في :
الخميس يونيو 28, 2012 2:50 am من طرف سلطان العاشقين
» عجبت لابن ادم كيف لايسال مولاه في كل حال فيما يريد 00 ويسال الخلق الحلول
الثلاثاء يونيو 26, 2012 11:49 am من طرف سلطان العاشقين
» الحب الحب لله والحب بالله 0 والحب لكل ماخلق الله 0 الحب طريق الايمان
الأربعاء مايو 30, 2012 1:47 am من طرف سلطان العاشقين